"الأردن أولا" هو برنامج للإصلاح والتنمية الوطنية وليس شعارا للإنعزالية

من طرف **صقرالسحاب** الخميس مايو 29, 2008 2:25 am

"الأردن أولا" هو برنامج للإصلاح والتنمية الوطنية وليس شعارا للإنعزالية Get_img

عندما رفع جلالة الملك شعار "الأردن أولا" وشكل لجنة وطنية بهذا الصدد كان الهدف هو تطوير برنامج وطني للإصلاح والتنمية، ومع أن اللجنة الوطنية واللجان الفرعية للأردن أولا قامت بإعداد وثائق تتضمن مفاهيم وآليات عمل واضحة فإن معظم الناس لم يقرأوا هذه الوثائق، وتم تقليص برنامج الأردن أولا إلى ثلاثة أبعاد كلها لا تمثل حقيقة البرنامج.

التيار الأول من داخل الحكومة تعامل مع الأردن أولا وكأنه شعار للتسويق الرسمي والرياء السياسي فقام بتوظيفه في حملات إعلامية سطحية جاءت نتيجتها عكسية حيث لم يعد "الأردن أولا" إلا ملصقا على زجاج السيارات.

التيار الثاني من أصحاب التوجه "الوطني المتعصب" تعاملوا مع "الأردن أولا" وكأنه فرصة لترويج مفاهيم الإنعزالية والإقليمية وباتت طريقة ترويجهم للشعار تتناقض تماما مع برنامج الأردن أولا التنموي، وأصبح خطاب هذا التيار يستحضر الشعار ولكن بطريقة أكثر قربا من "الأردنيون أولا" كشعار للإنعزالية.

التيار الثالث يضم معظم الأحزاب والنقابات والتيارات السياسية المؤدلجة التي أساءت فهم البرنامج تماما كما فعل أصحاب التيار الثاني ولكنهم اعتبروا أن الأردن أولا شعار مناقض للقومية والوحدة الإسلامية وأنه يتضمن التخلي عن دعم الأشقاء في فلسطين والعراق، ولهذا رفضوا الشعار والبرنامج حتى قبل قراءة ومعرفة المفاهيم.

ومن الطريف أن بعضا ممن يهاجم تصريحات الرئيس السوري ساهم بشكل أو بآخر في تقليص دور برنامج الأردن أولا إلى شعار إنعزالي، كما كانوا من ابرز الرافضين لبعض التوجهات الحداثية والتقدمية التي طرحها برنامج الأردن أولا.

من أجل التذكير بما ندافع عنه ونسيناه بحكم سيطرة التيار السياسي التقليدي في الأردن، دعونا نراجع بعضا من مضامين برنامج الأردن أولا ونري أين أخفقنا في ترجمة هذا الشعار إلى أرض الواقع. أن وثيقة الأردن أولا تتضمن عشرة طروحات توضح مفهوم هذا البرنامج، إضافة إلى مجموعة من الآليات والإجراءات المقترحة لتطبيق البرنامج في محاور مختلفة منها الحكومة، البرلمان، القضاء، الأحزاب، النقابات المهنية والمنظمات الأهلية، الصحافة وسائل الاتصال، المدارس والجامعات والشباب وأخيرا القطاع الخاص.

ونظرا لضيق المساحة وعدم الرغبة في تحويل هذه المقالة إلى دراسة أكاديمية فإنني سأختار خمسة طروحات من أصل عشرة حسب الترتيب الذي وردت به في وثيقة الأردن أولا وتحليل مدى تطبيقها على أرض الواقع، وأين وكيف تخلينا عن هذه المفاهيم.

المفهوم الثاني في الوثيقة يشير بأن "الأردن أولا، توافق اجتماعي بين الأردنيين والأردنيات أفرادا وجماعات حكومة ومعارضة يؤكد على تغليب مصلحة الأردن على غيرها من الحسابات والمصالح ويعيد صياغة علاقة الفرد بالدولة فهي لجميع أبنائها وبناتها على حد سواء، لهم منها العدالة والمساواة وسيادة القانون والشفافية وحق المساءلة وعليهم حيالها واجب احترام قوانينها وهيبتها وصون ثوابتها وحماية استقرارها وأمنها الوطني والذود عن مصالحها بكل إخلاص وتفان". هذا المفهوم يتضمن تعريفا واضحا لهدف الشعار وهو تغليب مصلحة الأردن على غيرها من الحسابات وهو هدف وطني لا غبار عليه وينفذ في كل دول العالم ومنها الشقيقة سوريا، كما أنه يتضمن أفضل وصف لمعادلة الحقوق والواجبات في الهوية الأردنية حيث أن الدولة لجميع أبنائها وحقوق المواطنين هي العدالة والمساواة وواجب المواطن هو احترام القوانين والذود عن المصالح، وهذا ينطبق على كل الأردنيين من مختلف الأصول والمنابت. وحتى الآن لم نصل في الأردن إلى تنفيذ سياسات من قبل الحكومة والتيارات السياسية والحزبية تحقق هذا التوازن بين الحقوق والواجبات.

المفهوم الخامس للأردن أولا يبدو أكثر وضوحا على صعيد الوحدة الوطنية، فهو رسالة إلى جميع الإنعزاليين والأقليميين أو دعاة الحقوق المنقوصة حيث يقول النص في الوثيقة: " الأردن أولا، تكريس لمفهوم المواطنة كحق أساسي لكل مواطن أردني كفله الدستور لا يجوز الانتقاص منه وهي عامل ايجابي محفز على تعميق المشاركة السياسية وتخطي النزعات السلبية وعنوانها: لا فضل لأحد على الآخر إلا بما يقدمه لوطنه وشعبه". وللأسف، فإن هذا التوجه الديمقراطي الرائع غير منتشر في صفوف الغالبية من النخبة السياسية الرسمية والحزبية والنقابية، وحتى في أوساط المواطنين العاديين.

المفهوم السادس للأردن أولا يشكل نقطة توجيه في غاية الأهمية نحو التركيز في برامج التنمية على الأولويات الوطنية حيث يشير إلى :"الأردن أولا، دعوة لمؤسسات مجتمعنا المدني من أحزاب ونقابات ومنظمات أهلية لإعادة ترتيب سلم أولوياتها كل حسب اختصاصه مستوحية روح هذا المفهوم ومضامينه ساعية في رفع إسهامها في هذا المشروع النهضوي لبناء الأردن الحديث بتركيز العمل على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وإيجاد الفرص الإنتاجية ومحاربة الفقر والبطالة وتحسين مستوى معيشة المواطن"، وللأسف فإن معظم الأحزاب والمنظمات والنقابات الأردنية تهتم بشؤون وأولويات خارجية أكثر من اهتمامها بالشأن الوطني وبرنامج التنمية الوطنية.

المفهوم السابع يركز على شؤون الديمقراطية وحرية الإعلام والتعددية حيث يشير إلى :" الأردن أولا، دعوة لوسائل الإعلام ومؤسسات التوجيه الوطني كافة لتبني قضايا الوطن، والاهتمام بقضايا مواطنيه في مناخات من التعددية والحرية المسؤولة والاستقلالية والمهنية المتطورة التي تتوخى الدقة والموضوعية وتحترم الحقيقة وعقل المواطن وحقوقه" وهذا المفهوم يمثل توجها ديمقراطيا واضحا لا يمكن الاختلاف معه.

المفهوم العاشر للأردن أولا يضع سياق هذا البرنامج ضمن واجبات الأردن وشعبه تجاه قضايا الأمة وينفى كل تهم الإنعزالية عن برنامج الأردن أولا حيث يشير هذا المفهوم إلى ما يلي:" الأردن أولا، فلسفة حكم ونهج قيادة ينهض على ضرورة وضع المصلحة الوطنية الأردنية في صدارة اهتمامات الدولة والوطن، الحكم والحكومة والمجتمع الأهلي من دون انكفاء عن قضايا الأمة العربية وهمومها ومن غير انعزال عن الدائرة الإسلامية الأوسع التي ظل الأردن الهاشمي في موقع البؤرة منها على الدوام فالشعب الأردني وفقا للدستور جزء من الأمة العربية والإسلام دين الدولة". هذا التوجه واضح لمن يريد أن يستخدم عقله في الفهم والقراءة ولا يحكم على برنامج الأردن أولا من وجهات نظر مسبقة.

في محصلة الأمر فإن "الأردن أولا" هو برنامج للإصلاح والتنمية الوطنية ويس شعارا للإنعزالية وإذا كنا نشعر بضيق من عدم فهم الآخرين لهذا الشعار والبرنامج فإن من الأولى لجميع الأردنيين استيعاب المعاني الحقيقية لبرنامج الأردن أولا ورسالته النهضوية وتطبيقها قبل أن نبدأ بحملات التعصب والهجوم المضاد التي لا تتضمن فهما حقيقيا لخصائص هذا الشعار.